الخط الأصفر يفصل نازحي غزة عن بيوتهم.. والشتاء يقترب بلا سقف
الخط الأصفر يفصل نازحي غزة عن بيوتهم.. والشتاء يقترب بلا سقف
في خيمة بيضاء مهترئة منصوبة على أرض رملية قرب دير البلح في قطاع غزة، يجلس هاني أبو عمر يحدّق في الفراغ متمنياً أن يعود إلى بيته في بيت لاهيا ولو لينصب خيمة أمام بابه المدمر، لكن الحلم يصطدم بواقع قاسٍ، فالمنطقة التي كان فيها منزله تقع خلف ما يعرف بالخط الأصفر، وهو الشريط الذي يفصل السكان عن بقايا حياتهم بعد أن رسم الجيش الإسرائيلي كتلاً خرسانية صفراء منذ وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر.
يقول هاني الذي تجاوز الأربعين عاماً بصوت يملؤه الحزن إن شباناً من عائلته خاطروا بحياتهم ليتفقدوا المنطقة فعادوا ليخبروه أن منزله دمر بالكامل، ويتنهد وهو يردد أنه عمل طوال عمره ليبني بيته حجراً فوق حجر، واليوم لم يبق له سوى خيمة لا تقي مطراً ولا برداً ولا حرّاً وفق فرانس برس.
حياة لا تطاق
تعيش عائلة أبو عمر، مثل آلاف العائلات الغزية، في خيمة من البلاستيك الأبيض تتراص إلى جانب عشرات الخيام في منطقة الزوايدة بوسط قطاع غزة، علّق بطانيتين على المدخل ليصنع بعض الخصوصية، في حين تطهو زوجته الطعام فوق الرمل بأوانٍ بسيطة، ويختمر الخبز في فرن بدائي من كتل الإسمنت، يقول هاني إن الحياة في الخيام لا تُطاق، فالأمراض الجلدية تنتشر ونقص المياه يزيد من المعاناة، وحتى الهواء ثقيل برائحة الرطوبة والغبار.
على مقربة من خيمته يلعب أطفاله حفاةً حول ركوة قهوة صغيرة، يضحكون قليلاً ثم يعودون إلى داخل الخيمة التي تهتز كلما هبّ النسيم، في مشهد يلخص هشاشة الحياة تحت خيمة لا تملك سوى الانتظار.
ومنذ وقف إطلاق النار، عاد مئات الآلاف من النازحين إلى شمال غزة بحثاً عن بيوتهم أو ما تبقى منها، لكن كثيرين لم يتمكنوا من العودة بعدما أعلنت القوات الإسرائيلية استمرار انتشارها في المناطق القريبة من الخط الأصفر ومنعت الاقتراب منها، ووفق تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن عشرة في المئة فقط من النازحين يعيشون داخل مبانٍ تابعة للأونروا تحولت إلى ملاجئ مؤقتة، في حين يقيم الباقون في مواقع عشوائية مكتظة أقيمت في مناطق مفتوحة أو خطرة، ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض وللظروف الجوية القاسية.
حضّ الدفاع المدني في غزة العائلات على تحصين خيامها وتثبيت أوتادها استعداداً لفصل الشتاء، داعياً إلى تغطيتها بالبلاستيك لمنع تسرب مياه الأمطار وإقامة قنوات صغيرة لتصريف المياه وتفادي الغرق.
تقول سناء جهاد أبو عمر، وهي نازحة تقيم في خيمة تضم ثمانية أفراد، إن الخيام لا تحمي من البرد ولا من الحر، وتضيف أن الحياة داخل خيمة واحدة لعائلة كاملة أمر يفوق الاحتمال، وتتابع أن بعض السلع دخلت فعلاً إلى الأسواق وأن الأسعار انخفضت قليلاً، لكن معظم الناس لا يملكون المال لشراء شيء، فلا عمل ولا دخل وما من أفق قريب للخلاص.
جهود إنسانية
في المقابل، تواصل الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون توزيع أكثر من مليون وجبة ساخنة يومياً في قطاع غزة، واستأنفت ستة مخابز في الشمال عملها لإنتاج الخبز، كما وزعت خلال الأيام الأخيرة مئات الآلاف من الحفاضات وأوعية المياه ومستلزمات النظافة للأسر النازحة، لكن رغم هذه الجهود يبقى الواقع الإنساني في غزة أثقل من أي رقم، فالحياة في خيمة لا تقاس بعدد الوجبات بل بعدد الليالي التي يبللها المطر وعدد الوجوه التي تنتظر بيتاً لم يعد موجوداً.
الخط الأصفر هو المنطقة الفاصلة التي أنشأها الجيش الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025 وتمتد من شمال القطاع إلى جنوبه، مانعة آلاف الفلسطينيين من دخول مناطقهم المدمرة، وتقدّر الأمم المتحدة عدد النازحين داخلياً في غزة بأكثر من مليون وسبعمئة ألف شخص ما زال معظمهم بلا مأوى دائم أو خدمات أساسية.
وتواجه الجهات الإنسانية صعوبات كبيرة في الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القيود المفروضة على الحركة ودخول المساعدات، في حين تتزايد المخاوف من كارثة إنسانية مع اقتراب فصل الشتاء ونقص الإمدادات الحيوية من الغذاء والمياه والوقود.










